Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

التراث المغربي

4 décembre 2013

البعد الاندلسي في النهضة السياسية والادبية والفكرية في العصر الموحدي

البعد الأندلسي في النهضة السياسية والأدبية والفكرية  في العصر الموحدي الباحثة: جهان التوكي

لعله من البديهي القول أن عهد الدولة الموحدية كان عهدا مليئا بالأحدات والتحولات والصراعات، ولعله أيضا من البديهي أن نؤكد أن الأندلس ليس كمجال جغرافي، بل  كبعد حضاري وثقافي، قد احتلت مساحة كبيرة من انشغالات هذا العهد، مما جعلها تحظى باهتمام واسع لدى العديد من الدارسين والباحثين والمتخصصين في تاريخ الغرب الإسلامي.

لهذا سأحاول أن أستعرض بتركيز شديد حضور البعد الأندلسي في قيام أوتاد الدولة الموحدية في أبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية و الأدبية.

من المعلوم أن قيام الدولة الموحدية ارتكز عل أسس دينية بامتياز بزعامة مؤسس الدولة المهدي بن تومرت الذي أطلق على نفسه لقب "الامام"1    فكانت الحكومة، حكومة دينية- ثيوقراطية- فالمهدي بن تومرت كان متأثرا بالفكر الغزالي، وفي هذا الاطار حارب الأخذ بالفروع على عهد المرابطين، وأمر بالرجوع إلى  الكتاب والسنة، فالمنظومة الفكرية التي انطلق منها ابن تومرت، كانت منظومة ركائزها عقدية وفقهية تهدف إلى إحداث إصلاح سياسي يقوم على ثنائية الإقناع والشدة.

إن حضور البعد الأندلسي في التفكير الاستراتيجي لبناء الدولة الموحدية لدى المهدي بن تومرت، جعل أنصاره من بعده خصوصا كبيرهم عبد المومن بن علي الكومي يتجه نحو الأندلس، ولقد كان للانتصارات الموحدية بالأندلس في عهده تأثير حاسم في توطيد دعائم الدولة الموحدية سواء بالمغرب الأقصى أو بعدوة الأندلس.

لقد أدى بسط نفوذ الدولة الموحدية على ربوع الأندلس انعكاسات جد إيجابية على تدعيم أسس الدولة بالمغرب،فانعكس ذلك رخاء عظيما وازدهارا كبيرا، وانطلاقا من ثنائية اللين والشدة، كانت لهم مع اليهود معاملة خاصة، بحيث ألبسهم المنصور ثيابا سوداء،تغيرت إلى صفراء في  عهد الناصر،و لقد خاف اليهود بطش الموحدين حيث اضطر معظمهم إلى إظهار الإسلام و إخفاء دينهم، وهكذا يخبرنا صاحب المعجم أن أبا يوسف المستنصر قال " لو صح عندي إسلامهم لتركتهم يختلطون بالمسلمين في أنكحتهم وسائر أمورهم، ولو صح كفرهم لقتلت رجالهم وسبيت ذراريهم، وجعلت أموالهم فيئا  للمسلمين، لكني متردد فيأمرهم"2. وفي مقابل  هذه الشدة تجد طريقة الموحدين في الإحسان إلى الفقراء والعطف عندهم يتخذ  طابعا إنسانيا رائعا، وخير دليل على ذلك بمرستان مراكش الذي يعطي صورة مصغرة من معاملة الموحدين للفقراء.

إن أوضح تجلي لحضور البعد الأندلسي في نهضة الدولة الموحدية، هي الحركة الفكرية التي عرفت تطورا ملموسا، بعد أن أغدقت الدولة  بسخاء على طلاب العلم، وبناء المعاهد، وتجهيز خزائن الكتب لتنمية الفكر والثقافة، في تماه كبير مع النهضة والازدهار الفكريين اللذين كانت تعرفهما حاضرة الأندلس، وهكذا ازدهرت العلوم والفنون والآداب. وفي هذا السياق برز جمهرة كبيرة من علماء الدين والفقه، كان في مقدمتهم المؤسس الروحي للدولة الموحدية، المهدي بن تومرت3 الذي كان أحد أقطاب عصره،كما كان للخلف الذي تولى بعده مساهمة فعالة في الحركة الفكرية عبر إطلاق حرية البحث والتفكير، وفضلا عن ذلك نبغ في الأندلس في هذه الحقبة الموحدية علماء بارزين أمثال عبد الرحمان بن محمد السلمي من أهل شرق الأندلس، وبه نشأ ويعرف بالمكناسي، وداووين يزيد بن عبد الله السعدي النحوي من أهل قرطبة، ومنهم أيضا إبراهيم بن الحاج أحمد بن عبد الرحمان بن سعيد بن خالد بن عمارة الأنصاري من أهل غرناطة، ومن أشهرهم وأبعدهم صيتا محمد بن مفضل بن حسن بن عبد الرحمان بن محمد بن مهيب اللخمي،صاحب كتاب"الجواهر الثمينة" المتوفى سنة 645هـ. ونختم هذا الثبت القصير من علماء العصر الموحدي الأندلسي بذكر قطبهم الأكبر الشيخ محيي الدين الطائي من أهل أشبيلية المتوفي سنة 638هـ.

إن لكل دولة وآونا للنضج ، وآونا للذبول، فالقرن السادس الهجري كان أوان بداية الدولة الموحدية،ففيه أقام مؤسس الدولة عناصر الصلاح والفساد،فهو العصر الذي بلغ فيه كل شيء أقصاه، وأثمر كل عمل نتاجه المحتوم، واجتمع الخليط من عوامل القوة والضعف، والبشارة والإنذار، فكما استمدت الدولة الموحدية عناصر قيامها ونهوضها وقوتها من البعد الأندلسي، كذلك تأثرت في ذبولها وتراجعها وانهيار بالمكون الأندلسي .

                                                                        يتبع                                                                

                                                                           

1-   دولة الاسلام في الاندلس، عبد الله عنان،2/قسم2/615-616

2-   المعجم،عبد الواحد المراكشي،305

Publicité
Publicité
4 décembre 2013

اطروحة جامعية ،الباحثة :جهان توكي

 كتاب "دوحة المجد والتمكين في وزارة ونسب ابني عشرين" لمحمد الغالي اللجائي ت 1289هـ  إعداد الباحثة :جهان توكي

 يشكل الرصيد الثقافي لأمة ما الجسر الذي يربط عمق الأصالة بجديد الحداثة، فهو بمثابة السياج الذي يحصنها ويمكنها من التطور ويحفزها على الإسهام الحضاري الذي يجمع قيم الماضي ومعطيات الحاضر. وهذا ما يطرح تساؤلا يمكن أن يصاغ في شكل مراجعة الذات، وليكن بهذه الصيغة: هل تعرفنا حقا على تراث أجدادنا وحاولنا فهمه؟ وهل سعينا إلى تجديده وإثرائه لجعله يتماشى مع رقي المعرفة المعاصرة ويساير تطور التجربة الإنسانية المعيشة؟ قد تختلف الإجابات، لكن المستفاد منها يكمن في  أننا قصرنا في حق تراث الأجداد، ولتصحيح هذا الوضع، لابد من مراجعة طريقة التعامل مع القيم المعرفية للتراث، وإعادة التعرف على أبعاده ومنطلقاته الحضارية بأسلوب جديد يمكن القراء من تمثل جانبه الثقافي .

إن أغلب ما ينتج في مجال التراث المغربي في عصرنا الحالي، إما دراسات أكاديمية معمقة، كثيرا ما تظل حبيسة دوائر متخصصة، وإما معالجات سطحية لا تكسب القارئ معرفة ينتفع بها، ولا تعطيه فكرة واضحة تؤثر على فهمه وسلوكه، وهذا ما أدى إلى انفصال شرائح واسعة من المجتمع عن التفاعل مع هذا التراث .في هذا الإطار نجد أن مجال الثقافة العربية، وخاصة بالمغرب يشكو اليوم من نقص ملحوظ في التأليف الخاصة بالتراث ذات بساطة في العرض، وإحاطة في التناول.و على الرغم من ظهور مبادرات رائدة تعرف بالتراث وأعلامه، من قبيل  ما قام به محمد المنوني، وعبد الله كنون، وعبد الحي الكتاني، وغيرهم، إلا أن هذا الميدان لا يزال يحتاج إلى المزيد من الجهد  المتواصل والعمل الدؤوب، لهذا فإن مسؤوليات الجامعات المغربية،ومعاهد البحث العلمي ، لا تقل عن مسؤوليات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية،في صنع مستقبلنا العربي. وإذا كانت الدول المتقدمة في مجال الأبحاث والدراسات قد تبنت المنهج العلمي سبيلا للنهضة والتقدم ،وتخلصت من أوهام الخرافة والارتجال، فإن حاجتنا اليوم تكمن في مراجعة أساليبنا وخططنا وبرامجنا في جامعتنا ومعاهد بحوثنا العربية، بما يواكب طرق التقدم الإنساني الحضاري المعاصر.

بداية هذا ما حفزني منذ سنوات  على ضرورة المساهمة في هذا المسعى. وقد تبلورت  هذه الفكرة ،من جراء مطالعتنا للتراث المغربي أثناء ولوج  سلك الدراسات العليا، وتعرفنا على الذاكرة الثقافية المغربية، وبعد لقائي بأستاذي المشرف الدكتور الجليل سعيد بن الأحرش اقترحت عليه تحقيق مخطوط"دوحة المجد والتمكين" وذلك بناء على توجيه الدكتور عبد الله المرابط الترغي الذي هداني إلى سبيله، بمؤسسة علال الفاسي بالرباط،، وعند اطلاعي عليه وجدته مصنفاً ذا قيمة علمية وأدبية جديرة بالاهتمام والدرس، وهو ما يحفز الباحث على اقتحام عوالم البحث لهذا المخطوط الذي يندرج ضمن كتب التراجم والأعلام والمقصود بها؛ كل ما يدخل تحت صنف كتب الرجال. وتعتبر هذه الكتب من أكثر أنواع الكتابات الأدبية ارتباطا بالتاريخ، وأقربها إلى الصدق والاعتدال بما تقدمه للباحثين والدارسين من معلومات تاريخية ثمينة وفوائد علمية وأدبية متميزة. وقد ولع المغاربة بهذا الصنف من التدوين حتى كان الأثرَ الوحيدَ الذي يخلفه العالم أو الأديب بعد وفاته أحياناً.

وقد أفادني محافظ خزانة علال الفاسي بالرباط الأستاذ الجليل عبد الرحمان الحريشي - رحمه الله- أن مصنف "دوحة المجد والتمكين" من التراجم التي لم يسبق لها تحقيق أو دراسة أو نشر، وهكذا عقدت العزم وتوكلت على الله واتخذت هذا التأليف موضوعاً لبحثي متبعةً في ذلك توجيه أستاذي المشرف الذي يهتم بدوره بالتحقيق ويتعهدني بإرشاداته ونصائحه القيمة. وكان لاختياري هذا الموضوع ورغبتي في الاشتغال عليه أكثرُ من داع ، ويمكن حصر ذلك فيما يلي:

1_ الإسهام في الكشف عن جوانب هامة من تراثنا المغربي العربي التي مازالت في حاجة ماسة إلى التحقيق والتمحيص والتحليل، لاسيما أن موضوع المخطوط يعالج قضايا ومواضيع متنوعة.

2_ الرغبة في الكشف عن المكانة العلمية لمدرس ومفتي وقاض جليل لم يحض بالاهتمام المطلوب.

3_كون هذا المخطوط يشمل مادة التراجم بوفرة، مما يلفت الانتباه إلى موضوع الترجمة الأسر

4- أن هذا الكتاب يعطينا نظرة شاملة عن جوانب من الحياة العامة في القرن الثالث عشر الهجري وهو عصر تميز بتحولات هامة عاشها المغرب آنذاك.

    5- أن تأليف الكتاب جاء في عصر تميز بتحولات هامة عاشها المغرب آنذاك،وقد شملت كل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.                       

    وقد تأسس عملي في هذه الأطروحة على قسمين أساسين: قسم الدراسة وقسم التحقيق.

وقبل تحديد الخطوط العامة التي اتبعتها في قسم التحقيق، كان أولَ عمل قمت به هو البحثُ على النسخ، ومحاولةُ العثور على النسخة الأم أو أقربِ نسخة إليها، فعثرت على مجموعة من النسخ محفوظة في الخزانة الوطنية وأخرى في مؤسسة علال الفاسي بالرباط، وأمدني الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور مؤرخ المملكة- رحمه الله وجزاه الله خيرا- بنسخة منها، وكان المجموع ثلاثُ نسخ، إلا أنني لم أتمكن من العثور على النسخة الأم فاخترت واحدة ًمنها اعتمدتها أصلاً.

وقد اعتمدت في تحقيق"الدوحة " على ثلاث نسخ، فقمت في مستهل هذا الفصل بوصف النسخ الثلاثِ المعتمدةِ في التحقيق وصفاً دقيقاً، واتخذت نسخة خزانة مؤسسة علال الفاسي أي النسخة (أ)  تحت رقم 371 أصلا في التحقيق، وأساساً في العمل لكونها كانت أكمل وأغنى وأثرى وأصح لما فيها من تصحيحات وتصويبات غير أن الرجوع إلى نسخة الخزانة الوطنية أي نسخة (ب) تحت رقم د 4012  ونسخة الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور أي نسخة (ج) كان ضرورياً قصد الاستعانة بها في المقابلة أو في تثبت قراءة بعض الكلمات غير الواضحة في النسخة الأصل. وقد شرعت بداية في نسخ متن "الدوحة" نقلا عن النسخة -أ- وقمت بمقابلتها بمتن النسخة -ب- والنسخة –ج-، وهدفي من ذلك الخروج بنص كامل صحيح شكلاً ومضموناً. وعموما يمكن إجمال الخطة المنهجية التي اتبعتها في تحقيق الكتاب فيما يلي:

أعدت كتابة متن "الدوحة" اعتماداً على نسخة خزانة مؤسسة علال الفاسي التي رمزت لها بحرف-أ-وقابلتها بالنسخة –ب- والنسخة -ج- ،و أتبث الفروق في الحواشي فقمت بضبط ما وجدت من اختلاف بين النسخ. كتبت بعض الكلمات طبقاً للقواعد المتبعة في الكتابة العصرية دون أشير إلى ذلك.وضعت علامات الترقيم من فواصل ونقط وعلامات في الأماكن المناسبة.خرَّجْتُ جميع الآياتِ القرآنية وأحلت على سورها وأرقام آياتها اعتماداً على رواية ورش.خرجت الأحاديث النبوية الشريفة والآثار وأحلت على مظانها من كتب الحديث والفقه والتفسير وعلوم القرآن، وفي حالة عدم التعرف على مصدر نص معين، أحلته إلى المصادر التي ذَكَرَتْهُ.خرجت ما أمكنني تخريجه من الأبيات الشعرية وأثبت بحورها، وخرجت بعض الأمثال معتمدة على دواوين الشعراء والمجاميع الشعرية ومصنفات الآداب وكتب اللغة والأمثال والمعاجم. قمت بشرح بعض المصطلحات والمفاهيم التي تبدو أهميتها متزايدة في النص وبعض الكلمات النادرة الاستعمال مع الإشارة إلى مصادر الشرح.عرفت بمعظم الأعلام المغاربة وغير المغاربة معتمدة في ذلك على مجموعة من المصادر والمراجع،كما عرفت ببعض الأمم والأماكن الحضارية والجغرافية واقفة في الغالب عند بعض الموسوعات كمعلمة المغرب ومعاجم البلدان.و أخيراعرفت بمعظم الكتب والمصادر الواردة في "دوحة المجد والتمكين" معتمدة في الغالب على فهارس الكتب وفهارس المخطوطات الخاصة بدور المكتبات.

وعلى العموم وبالرغم مما اعتراني من صعوبات عند بداية خوض غمار هذا العمل، فقد وجدت أن قراءة النص بشكل عام، ولله الحمد، لم تكن بالعملية الشاقة العسيرة كما لم تكن بالمسألة السهلة اليسيرة، ولم تبدأ الصعوبة الحقيقية إلا عند الشروع في عمليات المقابلة والتحقيق والدراسة، وكان نتاجَ ذلك أن خرج المخطوطُ نصاً سهل القراءة ومضبوطاً سهلَ التناول.

فطيلةُ ملازمتي للجائي، رحمه الله، من خلال مؤلفه"دوحة المجد والتمكين" كنت أحس بمتعة كلما عثرت على شيء جديد خلال البحث، لذلك كانت كل مجالات اشتغالي في هذا العمل  تكتسي بالنسبة إلي أهميةً بالغةً، ويمكنني اعتبارُ ما تتضمنه "دوحة المجد والتمكين" من إضافاتٍ نوعيةٍ للمكتبة العلمية المغربية من أهم أوجه نفاسة هذا المصنف أذكر منها؛عرض  الكتاب مجموعة من السلاسل الإسنادية المتصلة بين الطيب بوعشرين وشيوخه.إسهامه في تنوير المشهد الثقافي بالمغرب خلال القرن الثالث عشر الهجري الذي كان متفردا بمميزات ثقافية نتيجة الاحتكاك المتواصل بالغربيين؛ وذلك من خلال الانتفاع بعلومهم الكونية وبفنونهم وصنائعهم، كذلك من خلال ذكر اللجائي للمؤلفات والمصنفات التي أفاد منها، مما يشكل إضاءة لحالة تطور حركة الفكر ونشاط التأليف والكشف عن المصادر العلمية المتداولة آنذاك.وضم "الدوحة" إشارات تاريخية ذات قيمة كبيرة لما تضمنته  من معلومات جديدة عن العلاقة المغربية الإسبانية، وألقى الضوء على بعض الوقائع مما يفصح عما كانت عليه أحوال المغرب من فتن.وقدم لوحاتٍ رائعةً عن الأنشطة الدينية والثقافية لفقهاء فاس وتطوان، كما يطلعنا على انتشار الفكر الصوفي عبر تعدد رجالاته، ومختلف الأدوار التي أنيطت بهم داخل مجتمعاتهم. وكما يقدم التأليف معطيات ثمينة، حول الجغرافية التاريخية والاقتصادية لبلاد المغرب، لما يضمه من أسماء المنشآت العمرانية من أبواب، ومساجد، وأزقة ورياض.ويعتبر "الدوحة" وثيقة حية ترصد لنا من الداخل ما كان داخل مجتمعات المغرب من صراعات ومخاضات، كما يقدم لنا باقة من المعلومات الطريفة حول الحياة اليومية للناس ببلاد المغرب.ويظل مضمون الكتاب زاخراً بالمعلومات الأخرى التي قد يستفيد منها مختلف الباحثين في شتى التخصصات العلمية والإنسانية، لما يحتوي من معطيات حول الواقع الاجتماعي والديني، والسياسي والاقتصادي والروحي والثقافي لمجتمعات المغرب.

وسآتي فيما يلي إلى تفصيل الخطوات التي انتهجتها في قسم الدراسة إذ قسمته إلى أربعة أبواب، قد خصصت الباب الأول للدراسة النظرية، فجعلته يتضمن فصلا لدراسة التراث، فوقفت على تحديد مفهومه، وبيان كيفية إحيائه وتحقيقه، ثم انتقلت إلى التعريف بالتراجم بوصفها صنفاً تأليفياً.أما الباب الثاني عمدت فيه إلى وضع"الدوحة" في سياقها التاريخي عن طريق دراسة عصر المؤلف فقسمته إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول خصصته للحديث عن الحياة السياسية خلال القرن الثالث عشر الهجري، وعالجت في الفصل الثاني الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، أما الفصل الثالث فتناولت فيه الحياة العلمية في عهد المؤلف، أما الباب الثالث فقسمته إلى فصلين: الأول كانت دراسة وافية لحياة المؤلف بتفاصيلها المختلفة،  فوقفت عند أصله ونسبه واطلاعه وإنتاجه العلمي وتطوراته في المناصب ووفاته وثناء الناس عليه، في حين إن الفصل الثاني عرفت فيه بالوزير الطيب بوعشرين ووالده وأسرته ووظيفته وشيوخه وتلاميذته ووفاته. وخصصت أخيرا الباب الرابع للتعريف بالمخطوط فقسمته إلى فصلين: الأول كان لوصف النسخ ومنهجية التحقيق وأما الثاني فجعلته لدراسة مضمون المخطوط ومناقشة بعض أفكاره، وبعد ذلك وفي مستهل قسم التحقيق عرضت نماذج مصورة من بعض صفحات النسخ المخطوطة.وفي الختام قمت بوضع الفهارس التي توخيت من ورائها أن تكون وسيلة عمل تيسر عملية التعرف على موضوعات الكتاب وتسهل سبل الاستفادة منه، فوضعت فهرست للآيات والأحاديث   والأعلام والمصطلحات والقبائل والأمم والمدن وقائمة بكل المصادر والمراجع المعتمدة في الدراسة والتحقيق، وختمته بوضع فهرست للمحتويات.

حسب تقديري المتواضع، سيفتح هذا البحثُ، إن شاء الله، آفاقا واسعة في المجال العلمي وذلك على المستوى الشخصي والمستوى العلمي:

-                   فعلى المستوى الشخصي يمكنني القول إني أمتلك الآلياتِ المنهجيةً لخوض غمار أي بحث علمي عزمت على إنجازه أو كلفت به وذلك بفضل استفادتي من التوجيهات العلمية العميقة على المستويين المنهجي والمعرفي التي جنيتها من أستاذي المشرف وبعض الأساتذة الأجلاء وكذا استفادتي من المؤلَّفِ ذاته.

-                   أما على المستوى العلمي العام فإخراج هذا العمل كفيل بتحفيز الهمم وفرصةٌ إضافيةٌ للدارسين والباحثين والمهتمين بعلم التراجم ودارسي بعض أصناف التآليف المغربية لاسيما كتبَ التراجم، وما تحفظه من أسانيد وإجازات، وشيوخ ومرويات، فضلا عن القصائد والرسائل الصوفية.

 

 

هذا الكتاب أطروحة جامعية نلت بها درجة الدكتوراه في الآداب .

من كلية الآداب والعلوم الإنسانية،جامعة عبد المالك السعدي،بتطوان.

نوقشت يوم 23 يونيو 2009م ،واستحقت ميزة مشرف جدا.

وكانت اللجنة تتكون من السادة الأساتذة:

-        الدكتور عبد الله المرابط الترغي رئيسا

-        الدكتور سعيد بن الأحرش مقررا

-        الدكتور محمد كنون الحسني عضوا

-        الدكتور عبد العزيز الرحموني عضوا.

4 décembre 2013

ترجمة العلامة الفقيه محمد الغالي اللجائي

ترجمة العلامة الفقيه محمد الغالي اللجائي الحسني

اعداد الباحثة:جهان توكي

إذا ما جال الفكر متصفحا وفاصحا بعض فترات التاريخ، وجدها ملأى برجالات خلقوا ليكونوا نماذج حية، وأمثلة واعية، لأجيال كلها أماني وأمال، لتلتقي وعلى أحر من الجمر ما أنتجوا كنبراس يضيء الطريق لجهود جديدة،فالقرن 13 هــ، نجده طافحا بالأعلام والمفكرين، وعلى اختلاف اتجاهاتهم واستعداداتهم الثقافية، غير أن بعض العلماء لم يتم الاعتناء بهم، وتركت آثارهم ضائعة،وأعمالهم ومعارفهم في عداد النسيان. فكم فاضل أضاعوا وكم عالم تركوا اسمه،حتى أنه لا يعرف وليس له ترجمة وذكر، ووصف أهل المغرب بذلك يرجع إلى أمد بعيد أكثر من سبعمائة سنة، فقد وصفهم بذلك صاحب أخبار البربر المطبوع أخيرا بالرباط. نعم صحيح هذا فإن علماء المغرب على قسمين؛ منهم من كان مشتغلا بالتدريس فقط على طريقة الإملاء، فهذا قليل الذكر وهو الذي لا يمكن ترجمته ويبقى حقه على المؤرخ، ويقف الباحث في ترجمته حائرا أن اضطر إليها. ومنهم من كان له ولوع بالكتابة والتقييد والتأليف، فهذا إن أعطاه حقه المؤرخ، فإن آثاره تقوم مقام التعريف به، فيمكن لنا أن نستخرج ترجمته من تآليفه وتقاييده، ويقال عليه أنه ترجم نفسه بنفسه رغما على المؤرخ. وربما تخرج ترجمته أحسن من ترجمة المؤرخ له، لأن الباحث يمكن له إخراجها على وجه لم يهتدي إليه ذلك المؤرخ، فيخبر عن ترجمته بالواقع المشاهد، لا بالحدس والتخمين، أو التحلية الكاذبة، كما وقع لعدة أفراد والشيخ المترجم فإن المؤرخ لم يذكره لنا على طريق الترجمة، وإنما ذكره على وجه خاص، وهو كونه من الأشراف مع أن تآليفه ناطقة لنا بترجمته، ومقدرته،وعمله،وحسن أسلوبه ولولاها لدرج مع آلاف أمثاله وأمثالهم،وكان حضه الإهمال والنسيان. وهذا ما نجده يتجلى وبصور واضحة جدا في الفقيه محمد الغالي اللجائي.                        

وهو أبو عبد الله محمد الغالي بن محمد العمراني الحسني المعروف باللجائي نسبة إلى  قبيلة لجاية يقول الكتاني:" ذكر أولاد الجاي نسبة إلى قبيلة لجاية الشهيرة : اعلم  أن قبيلة  لجاية هذه تنقسم إلى سبعة؛ أحدها بنو توزولات. ثانيها أولاد قرون. ثالثها بنو بوزيد.رابعها بنو هطاط. خامسها بنوكيلان. سادسها رزبر مشيط. سابعها عين الريحان. وكان استوطن فاسا كثير من هذه الأقسام ،بل جلها ومرت عليه السنون، حتى صار بيت أولاد اللجائي بفاس شهيرا ومعروفا بالحسب"1.

وينحدر اللجائي من سلالة الرسول، صلى الله عليه وسلم، كما أورده وجزم به في آخر كتابه " دوحة المجد والتمكين"، فقد أوصل نسبه بسلالة المولى إدريس من جهة والده عبد الله.وهو من ذرية عبد الرحمان الذي هو الجد التاسع للجائي، له شهرة ومقام ببلاد اللجاية ، وقد ترجم  له صاحب النشر وأثنى عليه بالخير والصلاح.

                يقول ابن سودة :"وأولاد اللجائي على فرقتين: شرفاء ينتمون إلى الوالي الصالح عبد الرحمان بن محمد اللجائي العمراني، دفين قبيلة لجاية المتوفى  سنة 1048هـ،أهل معاش وحرفة ظهر بالعلم .منهم الشيخ الغالي بن محمد اللجائي، المتوفى عام 1289هـ، صاحب كتاب" دوحة المجد والتمكين في وزارة بني عشرين"،ومنهم الشيخ عبد السلام بن محمد اللجائي صاحب "الدرر السنية و المفاخر العالية في الدولة العلوية"،المتوفى 1328هـ. وفرقة من لجاية أهل معاش وحرفة وثروة ومال وجاه؛ منهم وزير الأحباس سابق أحمد بن عبد السلام اللجائي المتوفى سنة 1346هـ"2.

                كل هذه الشواهد تكفي في إثبات نسب اللجائي إلى آل بيت النبوي الشريف، وقد حاز اللجائي بهذا النسب شرفا وافيا وشأوا بعيدا ،و كرامة  ظاهرة  وحسبه من المفاخر و المآثر قول النبي صلى الله عليه و سلم:( كل سبب و نسب منقطع  يوم القيامة إلا سببي و نسبي)و على كل حال فإن نسب هذه الشعبة صحيح كما أفصح بذلك أبو العلاء  الفضيلي في  درره لها حجج  قاطعة على ثبوته من ظهائر الملوك ورسوم شاهده بشرفهم منها ما يرجع تاريخه إلى أوائل القرن التاسع و بعده إلى زمنه 3.

                أما ولادة اللجائي و نشأته فلا نعلم عنهما شيئا لأن المصادر القديمة أهملت ذكره وأما من حيث تلقيه العلم،فقد أخذ عن  طائفة من العلماء والفقهاء  وتتلمذ عليهم ونشأ على نصيب واف من علومهم ومن شيوخه الذين أخذ عنهم و انتهل العلم من مناهلهم،واستفاد من ثقافتهم، سأذكر بعضا مما توصلت إليه بعد بحث وتنقيب طويلين، أولهم الشيخ أبو عبد الله محمد الحراق العلمي الحسني العلامة العارف شيخ الطريقة الدرقاوية الشاذلية وصاحب المقام الصوفي الشهير، من أكابر أتباع مولاي العربي الدرقاوي ومريديه، المتوفي 1261هـ.والفقيه العلامة البركة سيدي محمد بدر الدين بن الشاذلي الشريف الحمومي، المفتي نوازلي والمتوفي رحمه الله 1266 هـ. كما نهل اللجائي العلم عن القاضي العربي بن محمد بن الهاشمي العزوزي المعروف بالزرهوني، كان العلامة المفتي المتوفي 1260 هـ .ومن مشيخته قاض فاس وتطوان أبو الحسن علي بن عبد السلام بن علي التسولي عرف بمديدش، العلامة، المشارك، الحافظ المتوفي سنة 1258 هـ. و أخذ عن الشيخ الشهير العالم الكبير أبو العباس أحمد بن محمد بن علي المرنيسي المدرس النفاعة ،سبويه عصره المتوفي سنة 1277 هـ.

                 وقد أخذ اللجائي أيضا عن أبي العباس أحمد بن عبد المؤمن الغماري الحسني من أكابر أصحاب الشيخ الدرقاوي، له أتباع وذكر حسن المتوفي سنة 1262 هـ، . يقول عبد السلام اللجائي:"وممن أخذ عن التسولي والمرنيسي والزرهوني وابن عبد الرحمان الشريف العلامة البركة النوازلي سيدي محمد الغالي بن سيدي محمد المدعو حم من آل مولاي عبد الرحمان الشريف العمراني"4.وهذا ما استطعت أن أتوصل إليه من العلماء والشيوخ الذين تتلمذ على يدهم محمد الغالي اللجائي .

                كان الشيخ الفقيه محمد الغالي اللجائي عالما كبيرا، متوسعا متبحرا، حصل على أدوات العلوم وأتقنها، بل كان يرجع إليه ويهتدي بإرشاداته كبار علماء وقته،أحيانا نجده فقيها ومفتيا،ومحدثا ومفسرا،وأحيانا أخرى نجده عالما مشاركا في كل علوم عصره.  يقول المشرفي:" السيد الغالي اللجائي كان عالما عاملا، وله ممارسة في النحو وعلم الإعراب، ودرس في تحفة ابن عاصم كثيرا ولامية الزقاق، ولم تفته معرفة المختصر ومطالعته، واشتهر بالفتوى من منطوقه ومفهومه وأشرف على كتب النوازل وأحكم قواعدها، وكان يفزع إليه في علم الفتوى الراكب والنازل. وقد نال ذلك من شرف الأصل، ومن طيب الفرع والفصل ألف وصنف وشرح وحشى وترجم بقلمه ووشى ولما قربت وفاته أمر بتأليف ألفه في وزير وقته أبي البركات السيد الطيب ابن اليماني المدعو بوعشرين"5.

                أما تآليفه فيمكن أن نعدها ونحصرها في ثمان مؤلفات، ولعلها أكثر من ذلك لكننا لا نعلم عنها شيئا،فقد تكون ضاعت وتفرقت وانمحت وأهم ما صنفه نذكر`:

" -1دوحة المجد والتمكين في وزارة ونسب النبي عشرين" ويقع في مجلد وسط, توجد نسخة منه في الخزانة الوطنية بالرباط تحت رقم: د 4012، ونسخة أخرى بمؤسسة علال الفاسي بالرباط تحت رقم: 371، ونسخة أخرى بخزانة خاصة. وهو يدخل في صنف كتب التراجم.

 "-2الفجر الصادق الزاهر المتلالئ في بطلان مهدية الكاهن الساحر الثائر الجيلالي و هو يقع في عدة كراريس.

3ــ "مضض السياط في قضية ناظر المساكين الطالب محمد المشاط"، فقد ذكر اللجائي سبب تأليفه بالتفصيل في كتابه دوحة المجد والتمكين.

4ــ شرح على اللامية للإمام الزقاق سماه" مواهب الملك الرزاق شرح لامية الزقاق".

5ــ وتأليف اسمه "إبطال الشبه ورفع الالتباس في الرد على من صوب في تقييده خطأ الناس"، وهو تأليف في البدع.

6ــ "الروض الزاهر الوريف في نسب العارف بالله مولى عبد الرحمان الشريف المستغني بمآثره السامية عن التعريف تكلم فيه عن عائشة و عن شعبته.

7ــ "مقمع الكفرة بالسنان والحسام في بيان إيجاب الاستعداد وحرب النظام"، تحدث فيه عن تنظيم الجيش وتحديثه وعن أفضلية الجهاد . توجد نسخة منه في الخزانة الحسنية تحت رقم 956 .

8ــ وله تأليف سماه الروض السامي على البروج في طلب المرأة ووليها الخروج.

                لاشك أن مترجمنا تطور في عدة مناصب كان بسببها مسموع الكلمة ومعظما محترما، ولكن لانعلمها على التفصيل البيان الشافي وغاية ما لدينا من ذلك أن العلامة الفضيلي في درره أخبرنا في تحليته، أنه كان مدرسا مفتيا كما يأتي لفظه وهما من المناصب الدينية الرفيعة التي كان المرء لا يصل إليهما إلا بعد جهد جهيد.  و من أخباره عن نفسه أنه كان قاضيا بمدينة وجدة، و كذلك كان يأخذ العطاء مع العلماء المعروف بالصلة.

                ولقد كان المترجم من العلماء الذين لم ينالوا الحظ الوفير في الترجمة والذكر عند مؤرخنا، فتعرض للإهمال والنسيان، غير أن الشيخ سيدي محمد بدر الدين الحمومي قد حلاه بإجازته له،ووشحه بكلمات وجيزة في مبناها، غزيرة في معناها يتعلق فحواها بأن محمد الغالي اللجائي ممن نال في ميدان العلم، وحاز قصب السبق من بين أقرانه" وناهيك بهذه التحلية من هذا الرجل، فإنها تجعل للمترجم قيمة وبصير ينظر إليه بجل أنواع التعظيم، فإن شهادته أنه حاز قصب السبق في العلم بين أقرانه، كافية في وصفه. وكذلك يحليه لنا الشريف النسابة أبو العلاء إدريس بن أحمد الفضيلي في درره عند تكلمه على هذه الفرقة من الأشراف .ولفظه: ومنهم الفقيه العلامة المدرس المفتي السيد الغالي بن محمد بن الحاج كان رحمه الله ذا لسان وإقدام وله مشاركة وإطلاع في كثير من الفنون، وكان آية باهرة وله حكايات عجيبة رحمة الله ولا عقب"6.

 وتوفي رحمه الله سنة 1289 هـ بمدينة فاس و ودفن برأس القليعة.

 

 

1- زهر الآس، عبد الكبير الكتاني، 1/268....................................................................................................................................................................................................

2- إزالة الإلتباس عن قبائل سكان فاس، بن سودة 2/26 مخطوط خ ح تحت رقم 12652

3ـ زبدة الاثر،بن سود3/357

4ـ المنوني، المناهل، 392، ع 36،يوليوز 1987

5- نزهة الابصار،448،مخطوط خ ع الرباط تحت5795.

6- المنوني،البحث العلمي،108ع 19.

 

 

 

 

 

 

 

 

4 décembre 2013

كناشة نضار الاصيل في بساط الخليل لعبد الله شطير الحسني

كتاب العلم من كناشة "نضار الأصيل في بساط الخليل" لعبد الله شطير الحسني

اعداد: الباحثة جهان توكي

لقد عانى الادب المغربي في فترة التأسيس إلى تهميش بالغ الأثر على صعيد الاهتمام المعرفي سواء على مستوى البحث والتحقيق، أو على مستوى التعريف والنشر والمتابعة النقدية، لهذا وانطلاقا من اهتمامي الخاص وشغفي الكبير بالأدب المغربي ارتأيت أن أعد سلسلة من المقالات سأنشرها إن شاء الله تباعا عبر هذا الموقع الالكتروني وغيره من المواقع الجادة والمحترمة، وفي هذا الاطار سأبتدأ بإلقاء نظرة سريعة لكنها مركزة حول الانتاج الفكري لواحد من أعلام الأدب المغربي المؤسس، وهو الفقيه الأديب الشريف سيدي عبد الله بن الفقيه سيدي علي بن طاهر شطير الحسني، الذي اهتم بما يمكن أن نسميه في الأدب المغربي بأدب "الكناشة" أو المذكرات بالصيغة المشرقية، عسى أن تكون هذه الاطلالة فاتحة لسلسلة من المقالات يجود بها العديد من المهتمين والمختصين من أدبائنا وأساتذتنا الكبار.

 كتاب نضار الأصيل في بساط الخليل

هذا كتاب لطيف قيَّد فيه مؤلِّفُه ما انتخبه من الفوائد خلال مطالعاته، وسجل فيهما تجود به قريحته من فكر وإبداع،والتقط فيه من المختارات ما شاهد أو سمع،وربما لم يقتصر على هذا الجانب الفكري المعرفي، بل تعداه إلى جانب الحياة ومصالح المعاش . ويتصل  هذا التقييد إلى نوع من التأليف الذي كان شائعا بالمغرب،كما هو  منتشر لدى المشارقة  بمثابة مذكرات غير منتظمة لمختلف ما يصادفه الشيخ في مراحل حياته العلمية والشخصية،ولذلك اشتهرت  عندهم باسم التذكرة، كتذكرة ابن حمدون وتذكرة ابن مكتوم وتذكرة الصفدي وغيرها.

بالنسبة إلى المغرب يتميز هذا التقييد باسم الكناشة وهي من مادة كنش ويقول الفيروزبادي في قاموس المحيط" الكناشات بالضم والشد:الأصول التي تتشعب منها الفروع، وأكنشه عن الأمر اعجله"1 .

الكناشات في عرف العلماء المغاربة دفاتر يسجل فيها صاحبها ما يلتقطه من فوائد ومعلومات،ويقيد فيها مراسلاته ومساجلاته وأخبار الوفيات ومقامات وقصائد شعرية أو ما يحمله عن مجالس أشياخه،أو ما يحدثه به زملاؤه،وما يشاهده من أحداث،ويسميها بعضهم الزمام والبطاقات. وأحيانا تكتب الكناشة من طرف اثنين او ثلاثة أو أكثر فنجد خطوطا مختلفة، أحيانا يعرف صاحبها و أحيانا لا يعرف. ويعرف الزبيدي   في تاج العروس الكناشة بأنها"أوراق تجعل كالدفتر،تقيد فيها الفوائد للضبط هكذا استعمله المغاربة"2.ويعرفها المنوني بأنها مجموع  "يسجل فيها المعتنون مختارات ما يقرؤون أو يسمعون وأحيانا يضيفون لذلك انتاجاتهم ومشاهداتهم، وما جرى  مجرى ذلك"3.

وأقدم ما يعرف عندنا من نصوص هذه الكنانيش، كناشة للجادري الفاسي المتوفي818 هـ، وقد استمرت هذه بقيد الوجود حتى النصف الأول من المائة الحادية عشر هـ. ومن الجدير بالذكر أن غالبية المكتبات المغربية تحتفظ بآلاف الكناشات منها ما هو تجاري محض كان يستعملها أمناء المراسي، ومنها ما هو حبوسي كحوالات الأوقاف الخاصة بالمساجد والزوايا، ومنها ما هو سلطاني ككنشات السلطانين الحسن الأول والمولى عبد العزيز،إذ قيدا فيها نسخ الرسائل الصادرة منهما،ومنها الكشكول وغيرها.

وكتاب نضار الأصيل في بساط الخليل يصنف ضمن هذا النوع من التأليف، وهو عبارة عن كناشة في الأدب لعبد الله شطير.

التعريف بالمؤلف:

هو الفقيه العدل الشاب الأديب الشريف سيدي عبد الله بن الفقيه الخير المتبرك به المدرس سيدي علي بن طاهر شطير الحسني، كان هذا السيد من عدول تطوان وأدبائها ، وقد وصفه الفقيه المؤقت السيد محمد بن عبد الوهاب لوقاش بالفقيه الأديب ،وأنه كان كبير التعلق بكتب التفسير والحديث وله إلمام بالشعر واعتناء بنسخ الكتب وله خط حسن،وتولى الإمامة بعد وفاة والده بمسجد الربطة،كانت ولادة المترجم رحمه الله في أواسط رمضان 1181هـ بمدينة تطوان، وبها نشأ وشب وقرأ العلم على عدة شيوخ بها،منهم العلامة  الكبير سيدي محمد بن الحسن الجنوي، وولده الفقيه السيد أحمد الرشي والشيخ سيدي أحمد بن عجيبة وغيرهم ، ويظهر أنه لبث يقرأ بتطوان نحو عشرة أعوام، ثم رحل إلى فاس، وفي أوائل سنة 1203هـ كان يقرأ بها على العلامة الشيخ التاودي ابن سودة،وعلى العلامة الشيخ الطيب بن كيران والعلامة الشيخ حمدون ابن الحاج وأضربهم. ويظهر أنه بعد أن رجع من فاس عاد للقراءة على كبار شيوخه بتطوان لأنه أرخ ختمهم لكتاب جمع الجوامع على الشيخ محمد الورزيزي بصفر سنة 1206هـ ، ثم لا نعرف عن حياة المترجم بعد فراغه من الدراسة إلا أنه كان فقيها عدلا جميل الخط حسن العبارة مشتغلا بالأدب معتنيا بالكتابة،و أنه توفي وهو ابن الثلاثين سنة4.

وصف المخطوط:

كناشة نضار الأصيل هي نسخة وحيدة موجودة بالمكتبة الداودية بتطوان تحت رقم 70، تتألف مما يقرب400 صفحة، ومقياس كل صفحة 19×15 وتتراوح أسطر كل صفحة بين40 و 47 سطرا،ولا توجد للكتاب نسخ أخرى غير هذه النسخة، وهي مكتوبة بخط الأديب الأريب البارع عبد الله شطير، وهو خط مغربي دقيق وصغير جدا لا يخلو من بعض الصعوبات في قراءته، كما لا يخلو من الأخطاء سواء في الكتابة أو في شكل بعض الكلمات، والملاحظ أن الأوراق الأولى قد أصابتها خروم، وألوان أحدثتها الرطوبة وأثرت على بعض الأوراق الناتجة عن تقادم المخطوط، ولا نجد مقدمة و لا يذكر في الصفحات الأولى اسم المؤلف، ولا دواعي التأليف كما جرت العادة، بل إننا نجده يفتتح بالبسملة والصلاة على النبي ثم بمجموعة من الأبيات نظمت من طرف شعراء لم يذكر أسماءهم.

 التعريف بالكتاب:

يعتبر هذا الكتاب من أهم وأفيد ما ألف في الأدب المغربي لاحتوائه على كثير من الفوائد العلمية والتاريخية و الأشعار و الأدبيات والمواعظ والحكم واللطائف، واستقصاء مؤلف لعدد كبير من المصادر في الحصول على مادة الكتاب، ولغزارة الشواهد الشعرية التي يحتوي عليها، ولبنائه على خطة محكمة في التصنيف وترتيب الموضوعات، يقول محمد داوود:"هذا المجموع ويسميه صاحبه"الديوان"، عبارة عن مجموعة علمية أدبية تاريخية فهو كباقة زهور شذية انتخبها ونظمها شاب أديب له فكر ثاقب وذوق سليم وشعور رقيق،مع ثقافة دينية وأدبية وعنصر طيب شريف"5.

هذا الكناش المسمى بنضار الأصيل في بساط الخليل، قسمه صاحبه عبد الله  شطير إلى أربعة أقسام الأول سماه بكتاب العلم،والثاني بكتاب الأدب،والثالث بكتاب الحكايات، والرابع بكتاب الشعر، ولكل كتاب مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة، وقد تحتوي بعض الأبواب على عدة فصول.

أما كتاب العلم الذي سنتحدث عنه من هذه الكناشة يستهله المؤلف بأشعار متفرقة موضوعها حول فضل طلب العلم والترغيب فيه، والملاحظ أن عبد الله  شطير سيثير في كناشته لونا من الشعر يتردد بكثرة عند الشعراء الفقهاء لأن مضمونه يحتوي على زبدة ما جاءت به الشريعة، وأيدته الحكمة من قواعد السلوك، ومعاملة الناس بعضهم لبعض، ويرجع الاهتمام بهذا الغرض إلى شغف القدماء بهذا النوع من المقطوعات والقصائد، ذات الهدف الوعظي الذي يتمثل في بسط سلوك قويم ودحض كل  ما من شأنه أن يعكر صفو النفس البشرية. وفي هذا الصنف من الشعر يتخذ شطير نماذج لبعض الصحابة والفقهاء كعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر والشافعي والعيني ومحمود الوراق والزمخشري.ومن نماذج الحكم قول الشافعي:

                     علَيَّ ثياب لو يُباع جميعها      بِفَلْسٍ لكان الفَلْس منهن أكثرا

كما يملأ المؤلف هذا القسم من الكناشة بأشعار في الزهد والورع وهو شعر مفعم بالتعاليم الدينية ويؤكد على الإعراض عن حياة اللهو والمجون ويحذر من الاستهتار في الهوى والتصابي وأتى بنموذج لابن الأنباري:

                  إذا المرءُ لم يَترُكْ طعاماً يُحبُّه      ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيثُ يمَّما

                 فيوشِــك أن تُلفَـى له الدَّهرَ سُبّةٌ     إذا ذُكِرَتْ أمثالُها تَمْلأ الفَمَا

وبعيدا عن هذه الأشعار الثرية بالأخلاق والوصايا والحكم والوعظ والإرشاد والغنية بالعاطفة الدينية، يقدم لنا مجموعة من أبيات لشعراء عظام، تفصح عن مواقفه الفكرية في إطار مشكلة الوجود الإنساني والحقيقة العليا ومفهوم الدنيا، وخير دليل على هذا التفكير الذي أثاره شطير في مؤلفه، هو نموذج أبو العلاء المعري وابن الرومي والمتنبي وأبي العتاهية باعتبار شعرهم ينطلق من مجال التفكير الفلسفي ويعرضون هذا الأخير في ثوب من الخيال الشعري ليكون إنتاجهم عملا أدبيا ومن نماذج هؤلاء في هذا الكناش هناك قول المتنبي:

             وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ َان يَرى      عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ

ومن الأغراض المستهلكة التي أثارها الكناش غرض الغزل، الذي لا يقل أهمية عن الغرض السابق، نظرا  لما لهذا الغزل من أثر في نفسية الإنسان العربي عامة، خصوصا إذا علمنا أنه شغل مكانا واسعا من الإرث الشعري الذي خلفه لنا العصر الجاهلي،فعند مطالعتنا لدواوين الشعراء،نلاحظ بأن نسبة كبيرة من هذا الشعر تكاد تكون قاصرة على الغزل، ومن هنا يمكن أن نعتبر هذه الأبيات الموجودة في الكناش، إما عبارة عن مقاطع استهل بها الشعراء قصائدهم، أو قصائد مطولة في هذا الغرض، وهي في غالب الأحيان غير مكتملة كما أنها أبيات من أحسن ما قيل، فقدم لنا نماذج لفطاحل الشعراء الذين خدموا هذا الغرض باعتباره يحمل أرق المعاني وأجملها، فقدم لنا أبيات من أحسن ما قيل في تمني لقاء الحبيب والبكاء لبعده، والشعور بالحرقة واللوعة من فرط الصبابة والشوق، وهي أبيات تكاد تسيل رقة وعذوبة من حيث الأداء، وجمال الصياغة، باعتبارها صنعة عجيبة منبنية على خيال بارع جعلتها تمثل نوعا فريدا في الشعر العربي ومن بين هذه النماذج الشعرية نجد قول ابن الفارض:
 ألا ليتَ شِعري هل سُلَيْمَى مقيمة      بِــــوادي الحِمى حيثُ المُتَيَّمُ والـع
وهل قاعةُ الوعساء مخْضَرّةُ الرُّبى                   وهل مــا مضَـــى فيــها من العيش راجــع

ثم يأتي شطير في الباب الثاني بنماذج من الرسائل و أنواع المكتبات، فجعله أبواب،فهناك باب التهنئة واستفتاح المكتبات،وباب الشوق والفراق،وباب الشكر وبذل الود،وباب في السؤال وطلب الحاجات، وباب العنايات، وباب المعاتبات، وباب في الاسترخاء والاستعذار، وباب خطاب المرضى، وباب التعازي، ثم أثار نموذج آخر من الرسائل وهي رسائل العشاق وكل رسالة حدد موضوعها وطعمها بأبيات شعرية تخص كل موضوع على حدة منها ما نسبها إلى أصحابها، ومنها ما لم ينسبها.

وتبقى هذه الرسائل ترجمانا فياضا لعواطف عبد الله شطير وخلجاته النفسية وهي عاطفة دينية تستند على الإيمان العميق بالله،والتسليم له والرضي بالقضاء، ويظهر ذلك جليا في نموذج التعازي وهذا نصه:" كتبت أدام الله عزك وقد نفذ القدر الحتم والقضاء اللازم الجزم الذي لا معدل عنه وحده ولا دونه من ملتحد بوفاة فلان ألقه الله رضوان ولقاه روحه وريحانه.......".كما انه احتفظ بصراحته البريئة التي لا تصل إلى حد العبارات النابية، بل تتميز بالتحفظ الذي يقتضيه وقار العلم فهذا ما يتجسد في رسائل العشاق إذ يقول في واحد منها:"إلى الظبي الذي أفرغ في قالب الجمال وأفرغت العشاق عليه أكياسها من الحال وأصدقت بمحاسنه الآفاق و الأحداق واستولى على القلوب استيلاء بشر على العراق....".

ثم نزيد قليلا فإذا بنا نجد الفقيه الأديب قد صار أستاذا ما هرا في لعبة"الكارطة" إذ يسرد لك أنواعها سردا، ويعرفك بكيفية لعبها تعريف المطلع الخبير. ومجمل الكلام يبقى الكناش موزع بين النثر والشعر و بين أغراض شتى من حكم ونصائح ومدح وتوسل وغزل،كما تتقاسمه أغراض أخرى تتوزع بين شكوى وزهد و إخونيات، بالإضافة إلى بعض المقطوعات القصيرة التي لم يتضح غرضها نظرا لأنها لا تتجاوز البيت أو البيتين، الشيء الذي يحول دون تلمس غرضها بوضوح،فلا نستغرب إذا وجدنا غرضي الحكم والنصائح يأخذان قسطا وافرا من هذا الكناش وهذا دليل على أن عبد الله شطير من الذين جاهدوا في سبيل العلم واغترفوا من شتى مناهله،كما ألم كثيرا بالأدب و أعلامه وعالج الشعر والنثر على أوسع نطاق فقد ظل متأثر في أسلوبه بالروح العلمية والنزعة الدينية، وكل ما في كناشه مما لا يجوز شرعا إنما هو مذكور على وجه الملحة فقط مما جعل تعبيره متأنقا ومعانيه تلبس حللا مزركشة زاهية الألوان.

وعلى العموم يظل هذا الكناش، وثيقة تاريخية تشهد بما كان عليه شطير من ثقافة واسعة وشاملة، ونموذج للثقافة المغربية و بالخصوص مدينة تطوان، ويقول محمد داوود:"ولعل من المناسب أن آتي هنا بفذلكة عن هذا المجموع مع مقتطفات مما كتبه صاحبه الفقيه الأديب كنموذج لكتابة أدباء تطوان وأسلوبهم وتفكيرهم واتجاههم في ذلك العهد".
                  

1-القاموس المحيط،الفيروزبادي2/338

2- تاج العروس،الزبيدي4/347

3- المنوني،المناهل ،ع2/196

4ـ تاريخ تطوان،محمد داوود6/199-200

5- نفسه.

 

        

 

3 décembre 2013

اسرة بوعشرين من خلال كتاب دوة المجد والتمكين للغالي اللجائي

              أسرة بوعشرين من خلال كتاب "دوحة المجد والتمكين

منذ أن أشرقت شمس الدولة العلوية الشريفة على ربوع المغرب وغمرت وهادها ونجودها، والقائمون بها يمدون الظلال المعرفية الوارفة لتتفيأها الأمة المتطلعة إلى المجد والشموخ.  وليس هذا قولا تضافرت على خلقه الاستعارة والمجاز، إنما هو واقع حي تدعمه البراهين، وتشهد له الحقائق، فمن يستطيع أن ينفي وجود شخصيات عملاقة انطلقت في هذا العصر العلوي من قمقمها لتبني المجد العلمي والسياسي، وتبرز العبقرية الفكرية العظيمة ،فهناك أسر تتألق في سماء المجد والمكانة والثراء العريض والنفوذ العلمي والسياسي ، وتسمو وتعلن عن نفسها بنفسها من غير أن تحتاج إلى إطراء مؤرخ،حيث أنجبت علماء أفذاذا ،ورجالا فحولا كبارا تولوا مناصب سامية في هرم الدولة العلوية، فكان منهم أمناء ومستشارون للملوك العلويين، وقواد عسكريون، وقضاة ومفتون ومدرسون، وشعراء مبدعون في البلاط العلوي، فورثوا أبناءهم وأحفادهم ما اكتسبوا من معارف،فتسلسل بذلك العلم من نبعهم،وارتوى منه الأبناء والأحفاد، تتابعت في سلسلة أفرادها ،وأنارت بإشعاعها طريق أجيال متلاحقة، حفلت بمآثرهم وأخبارهم كتب التاريخ والتراجم والمناقب أمثال أسرة آل ابن إدريس، آل السوديين ،آل الكردوديين، آل غريط وآل بوعشرين.

أما أسرة بوعشرين وهي إحدى الأسر المكناسية الشهيرة التي ازدان بها المغرب، فكانت لهذه الأسرة الصدارة العلمية والسياسية  خلال عهد العلويين.وهي أسرة أنصارية خزرجية أندلسية معروفة، أطلقت هذه الكنية عليهم في متأخر أزمانهم، تخفيفا للكنية القديمة التي كانوا يكنون بها وهي بنو عشرين أو أبو عشرين، وكان أول من خرج منهم من الأندلس إلى العدوة أبو الحجاج يوسف ابن عشرين البياسي وقد ترجم له ابن خلكان يقول:"أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين، كان أديبا بارعا فاضلا،مطلعا على أقسام كلام العرب من النظم والنثر وراويا لوقائعها وحروبها وأيامها، وتنقل في بلاد الأندلس وطاف بأكثرها، ولما قدم من جزيرة الأندلس إلى مدينة تونس، جمع للأمير أبي زكرياء يحيى بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص عمر، صاحب إفريقية، كتابا سماه الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام"1. فأسرة بوعشرين انتقلوا إلى تونس ثم إلى فاس، حيث اشتهر ذكرهم ونمت فروعهم، ومنها خرجوا إلى سلا ثم إلى مكناس يقول ابن الأحمر:" ومنهم بيت بني عشرين الخزرجيين بيتهم بيت علم وتحصيل وأصالة ومنهم الفقهاء الأئمة، منهم الفقيه الإمام العلامة المدرس علي بن  عشرين كان حافظا للفقه محصلا محررا له، وتفقه عليه فقهاء المغرب وكان يحفظ المدونة، ولما أحرقها ملوك الموحدين بالمغرب من بني عبد المومن كتبها الفقهاء من حفظة بمدينة فاس عند أول ظهور ملوك بني مرين من بني عبد الحق، أرسلوا إلى عدوة الأندلس فأتوهم بنسخ منها فقابلوها فوجدوها لاخلاف بينها إلا فاء أو واو."2

وظلت أسرة بني عشرين مشهورة على مر العصور، يقول المشرفي:"فرقعة قدر بني عشرين بالعلم والعدالة، وشهرة بيتهم الرفيع العماد في القرن الثامن أظهر من نار على علم وامتدت إلى قرننا هذا"3. وتتمتع أسرة بوعشرين بالسمعة والنفوذ الاجتماعي لدى عامة الناس،" إن ما يتبين من الوثائق قد يسمح بأن نستنتج أن بعض العائلات التي حققت ارتقاء اجتماعيا في القرن التاسع عشر، إنما استندت في ذلك إلى ثقافتها الحضرية ومهارة أبنائها في الإدارة بالإضافة إلى النسب القديم أو الإثراء من التجارة، ولعل هذه الفئة تضم آل بليمني بوعشرين وآل غريط."4

    وقد ترجم لأسرة بوعشرين العديد من المؤلفين؛ منهم المؤرخ الكبير محمد أكنسوس وله "حسام الإنتصار في وزارة بني عشرين الأنصار"، و"خمائل الورد والنسرين في بيت أبناء عشرين". كما ألف الحسن ابن الطيب بن اليماني بوعشرين، الخزرجي، المكناسي الأصل، المراكشي دارا ومنشأ وولادة، وهو ابن للطيب بن اليماني بو عشرين، وزير العاهل العلوي محمد الرابع ، كتاب" التنبيه المعرب عما عليه الآن حال المغرب" وبوبه إلى ثمانية أبواب، أشار في بابه الثامن إلى نسب أسرته ووزارة والده الطيب بوعشرين، غير أن "الموجود منه هو السفر الأول حيث يقف عند نهاية الباب الرابع دون أن يعرف هل كتب المؤلف السفر الثاني وأتم الكتاب"5.والملاحظ أن الحسن بوعشرين – على قرب عصره – لم تدون له ترجمة بالمصادر المهتمة، فلا ذكر له عند ابن إبراهيم في "الإعلام"، ولا في "السعادة الأبدية" أو "إتحاف أعلام الناس"، كما أنه غير وارد عند ابن داني في " الدرة السنية" ولا عند غريط في "فواصل الجمان"، ثم يرد اسم الكتاب في "دليل مؤرخ المغربالأقصى". 
أما الفقيه محمد الغالي اللجائي فقد ألف (دوحة المجد والتمكين في وزارة ونسب ابني عشرين)ترجم فيه لأسرة بوعشرين وتطرق لنسبها الأنصاري الخزرجي، وخص بالذكر ، اليماني بن أحمد بوعشرين،وولده الوزير الأسعد الصدر الأعظم الطيب بوعشرين فذكر الإجازات التي كتبها علماء جهابذة في حقه. ثم أشار إلى أسانيده في علوم عديدة؛ كالفقه، والتفسير،واللغة، والحديث،وكانت لهم ترجمة وافية.

1- اليماني بوعشرين......................................................................................................................

        يقول اللجائي في دوحته"في ذكر سيدنا اليماني الكاتب الذي علا قدره وفاق وطبق ذكره الأفاق وطار صيته كل مطار وأخذت جلالته بالأسماع والأبصار، فصيح الفصحاء، وأديب الأدباء، شهاب البلغاء الثاقب،وفخر الكتبة الجليل المناقب و من إذا وقفت على رسائله ألفيته ناصحا هاديا،رائحا في سبل الحق غاديا،له درجة السبق في المكارم والمعاني، العلامة الألمعي الأديب الأريب الكاتب الخزرجي،سيدي اليماني كاتب على السنن سالك وبليغ لزمام القول مالك ."6عاش اليماني بن أحمد المكناسي،  في عهد السلطان مولى سليمان، اشتغل في بادئ الأمر نساخا، ثم أصبح كاتبا في ديوان السلطان ثم رئيسا لهذا الديوان. يقول المشرفي:" وعلى يده كتبة الديوان، وأمناء الصرح والإيوان، سوى قرينه في الصدارة، جليل المفاخر تحفة المجالس وحضرة الإمارة، أبو اليمن والبركة، الموفق في السكون والحركة، الكاتب الأشهر، الكبريت الأحمر، بقية الأماني عزيز الكتبة السيد اليماني"7.وكان يحتل موقعا داخل الجهاز المخزني، وذلك لأهليته، وعلمه ومكانته، كما تقلد أيضا مهمة تعليم الأمراء من العائلة الملكية"...كان في دولة السلطان العادل مولانا سليمان رئيس الكتبة، وكان للوزير الصالح القائد أحمد، به اعتناء زائد خارق للعوائد، لايفارق جنبه الأيمن في صدر الديوان، لأنه لايتلون بغير الصدق والعفاف، والمروءة بشيء من الألوان، وكان لنا رحمه الله معاشر الكتاب موردا صافيا، لا نخشى تغيره ولا كدره، وكنا له طائعين أولادا برره، وبيته في مكناس ثابت السيادة والأصالة ولايبلى طول الزمان مآثره وخصاله"8. وتوفي رحمه الله عام 1241 هـ

2 ـ الوزير بوعشرين......................................................................................................................

                أما ولده محمد الطيب بن اليماني بن أبي عشرين الأنصاري الخزرجي الوزير الصدر الأعظم، فمن المحتمل أن تكون ولادته قد تمت حوالي سنة1211هـ  بمكناسة الزيتون.

                 وهو فقيه علامة مفوه مشارك نقاد سياسي محنك، ذو خط بارع وإنشاء بديع، عصام الدولة وإمامها، نشأ في أسرة علم، أحاطته برعاية كبيرة ،يقول صاحب دوحة المجد والتمكين" فرع البيت الأصيل وصدر المعرفة والتحصيل بحر العلوم الذي لا يفيض، وعلامة الفنون الذي فيها، ويفيض الكاتب البارع البليغ اللغوي الشهير المؤرخ النسابة المعقولي الأصولي الكبير. الفقيه المحدث المفسر الألمعي الأديب المشارك النحرير الأريب، شمس الوزارة وبدرها، وأوحد الرياسة وصدرها من عرف بالخلق  الطيب الصدر الوزير الأعظم، سيدي الطيب"9 قرأ على يد  والده اليماني بوعشرين منذ صباه،وأخذ عنه جملة من العلوم. وقد أجازه كثير من العلماء في أصناف عديدة من العلوم، منهم سيدي بدر الدين الحمومي،يقول اللجائي" أجاز سيدي بدر الدين الحموميالمذكور العلامة الوزير المؤلف فيه إجازة على العموم والإطلاق، والشمول والاستغراق، حيث قال فيما سلف في إجازته له : أجزت الأخ الفقيه المذكور في كل منظوم ومنثور، إجازة عامة إلخ، كلامه"10.وقد اجتباه السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام لتعليم أولاده الكرام، فكان الطيب باليمني بمثابة المرشد الموجه لمحمد بن عبد الرحمان.وتمسك به هدا الاخير وجعله وزيرا له عندما تولى العرش بعد والده، فكان خير معين له في كل أمور الخلافة، وذلك لنجابته وفضله وعلمه ووجاهة رأيه.( يمثل الطيب بليمني نموذج رجل المخزن، الدي ارتقى في المناصب المخزنية بفضل ما تأتى له من العلم وما تحلى به من صفات النزاهة، فقد تمكن هو وأضرابه من أبناء الأسر المخزنية من آل ابن إدريس والسوديين  والكردوديين، من تنمية نفوذهم في كنف خدمة السلاطين، لما كان المخزن قوي الجانب نافذ الأحكام. ولم تكن مؤهلات هؤلاء الأشخاص مقتصرة على ما حصلوه من العلوم والمعارف، بل تدخلت في ترقيتهم عوامل أخرى كأقدمية الأسرة  في الخدمة المخزنية وكالروابط العائلية والشخصية والملابسات التاريخية وبهذا الصدد يعد مثال الطيب بليمني معبرا بليغا فيما نحن بصدد دراسته من آليات تكوين النخبة المخزنية)11.

               وكان الوزير الأعظم من أكبر مساعدي السلطان في شؤون الدولة،وفيما يتعلق  بالأمور الداخلية للبلاد،  سواء في ما يرجع لشؤون السياسة أو تصريف الأمور الجارية في الإدارة.  كانت اختصاصاته واسعة جدا، لا يفوته شيء من أحوال القبائل والمدن، ولا يصرف نظره عن مراقبة ممثلي القوات الاجتماعية من كبار الأعيان وشيوخ الزوايا،وغيرهم ممن يتوقع من جبهتهم حدوث ما من شأنه مضايقة مصالح المخزن، وكان الوزير الأعظم يجلس في مكتبه (البنيقة)، وهنالك يتردد عليه الكتاب المخزنيون والخدام بمختلف حيثياتهم ورتبهم، وكان له كاتبان مقربان يتولى أحدهما تدبير الاتصال والمراسلة بالمدن والقبائل في جهات شمال البلاد ،ويتولى الآخر مثل المهمة فيما يخص جهات الجنوب12.

                ورغم ما كان للوزير من حظوة لدى السطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، فإنه لم ينج من مضايقة أقرانه، وبالأخص منهم الحاجب موسى بن أحمد الذي كان يتأهبه العداء، بل أصبح يزاحمه في تدبير شؤون الوزارة، فشعر الوزير الصدر بانقلاب الأحوال وتزايد خطورة أحمد بن موسى لدى السلطان، فتخوف على أهله وذويه، وكتب إلى السلطان يتشفع إليه بإسدال ظهير التوقير والاحترام على أبنائه، فاستجاب السلطان لطلبه، وأصدر ظهير التوقير والاحترام في حق أبنائه أينما كانوا ساكنين مجتمعين أو متفرقين، ونص الظهير مذكور بالكامل في "إتحاف أعلام الناس" لابن زيدان.

                وأثناء اشتغال الطيب بوعشرين في منصب الوزارة لمدة عشر سنوات، كان يعاني خلالها من مرض لازمه طوال هذه المدة، فهناك رسائل شخصية بعثها إلى محمد بركاش يستفسره عن بعض الأدوية، نجد في سجلاته ورسائله ما يفيد ذلك، ولعل مرضه هو الذي كان سببا في موته ويشير الناصري إلى ذلك إذ يقول :" وفي سنة ست وثمانين وألف وذلك عشية يوم الخميس الرابع عشر من شعبان منها توفي الوزير أبو عبد الله محمد الطيب بن اليماني المدعو بأبي عشرين وكان سبب وفاته أنه كان به داء الحصى فدخل الميضأة التي بمشور أبي الخصيصات من دار السلطان بحضرة مراكش فيقال: إن   تمزقت فمات رحمه لله وحمل إلى داره وصلى عليه بعد الجمعة بمسجد المواسين وحضر جنازته الجم  ،ودفن بضريح الشيخ أبي محمد الغزواني من حومة القصور، وكان رحمه ذا جد في الأمور ونصح للسلطان والمسلمين"13.

 

 

1ـ وفيات الأعيان، ابن خلكان، 7/238

2-بوتات فاس الكبرى،  ابن الأحمر 19

3-      الحسام المشرفي، 261 مخطوط خ ع ك 2276

4-      النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع، الشابي، 139، سلسلة الأطروحات، رقم26

5-      المصادر العربية، المنوني، 2/98

6- دوحة المجدوالتمكين،386 مخطوط خ علال الفاسي371

7-الحسام المشرفي، 262 مخطوط خ ع الرباط رقم ك 2276

8- الجيش العرمرم، أكنسوس، 2/183

9- دوحة المجدوالتمكين،400مخطوط خ علال الفاسي371

      10 – نفس المرجع،410

     11ـالنخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع، 157    

12ـ النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع عشر، مصطفى الشابي، 29

13- الإستقصا، 9/122

Publicité
Publicité
التراث المغربي
Publicité
Archives
Publicité